في كل صباح وفي نفس المكان يجتمعنَ في الموعد المحدد؛
وكل واحدةٍ منهنّ تحمل بضاعتها قادمةً من القرى المجاورة
قاصدات المدينة علّها تبيع هذه البضاعة وتعود وفي
جعبتها ما يكفي لسد حاجتها وحاجة أبنائها.
هؤلاء النسوة اللاتي يضربنَ كل يوم أروع
الأمثلة للمرأة العاملة النشطة والتي تقف درعاً منيعاً في
وجه عواقب الدهر؛ كان لابد من تسليط بقعة ضوءٍ خجولة
عليهم أملاً في أن تتوسع هذه البقعة في المستقبل القريب.
وقد كان لـeDair alzor السبق في تناول هذا الموضوع بشيءٍ من التواضع؛ حيث زار
"السوق العتيق" في مدينة "البوكمال" أو كما يسمونه بـ"سوق النسوان"
وكانت هذه اللقاءات:
السيدة "أم صالح" امرأةٌ تبلغ من العمر نحو /45/ سنة
بائعةٌ قديمة ولها أسمها في السوق حيث حدثتنا قائلةً: «أعمل في
هذا السوق منذ أكثر من عشر سنوات؛ وإنني أشتري وأبيع
ما أراه مناسباً لحاجة السوق وحسب طلب الزبون، فربما تكون
هذه البضاعة ألبسة مستعملة أو أقمشة مستوردة أو حتى بعض
أنواع الخضروات وفي آخر النهار أعود إلى القرية
وفي جعبتي ما يكفي لسد احتياجات أولادي».
وعن وضعها العائلي أجابت: «لقد توفي زوجي منذ زمن
ليس بقريب؛ وترك لي عبء تربية ثلاثة أولاد
وإعالتهم وها أنا أعمل طوال النهار حتى لا أمد يدي لأحد؛
فكرامتي لا تسمح لي بذلك حتى لأقرب الناس
ومع ذلك فأنا سعيدةٌ في عملي لأنني أشعر بأن للحياة معنى».
وفي الجانب الآخر من السوق نساءٌ أخريات يبعنَ صنوفاً
مختلفة من البضاعة؛ فمنهنّ يبعنَ المكياج، وبعضهنّ يبعنَ الأحذية المستعملة،
وأخريات يبعنَ الدخان والعطورات، وقد التقينا من بين هذه النساء بالسيدة
"أم نوفة" وهي في العقد الرابع من العمر حيث قالت: «إن حظي
العاثر ألقى بي في هذا الوضع التعيس؛ فأنا أمٌ لبنتين ولم يرزقني
الله صبياناً وفوق هذا كله توفي زوجي
ولم يترك لي من بعده سوى المسؤولية والكثير من الهم».
وأضافت وهي تبتسم ابتسامةً مفتعلة: «لقد تعودتُ على هذا الوضع
منذ سنين طويلة و بفضل هذا السوق أصبح لدي صديقات ظروفهنّ
مشابهة لظروفي، فلم أعد أشعر بالملل الذي كنت
أشعر به من قبل؛ فهنا أصبحنا مثل عائلةٍ واحدة والأهم
من كل ذلك هو أنني لا أحتاج إلى مساعدة أحد
ولا أضطر إلى التسول مثل ما يفعل البعض».
وعن تاريخ هذا السوق وبداياته الأولى؛ التقينا
بالحاج "محمود جاسم المحمد المشوح" وهو ابن الستين عاماً ويملك
محلاً في "سوق النسوان" حيث قال: «كان هذا السوق في القديم عبارة
عن أرضٍ خالية من أي بناء باستثناء سورٍ قديم يحيط بمساحة هذه الأرض
ويجتمع فيها النساء منذ ذلك الوقت ويبعنَ مختلف أنواع الخضروات
التي كانوا يأتون بها من قراهم، وبقي السوق على ما عليه طوال
فترة أربعين عاماً؛ إلى أن جاء رجلٌ واشترى هذه الأرض بأكملها
مقابل رأس بقرة فقط؛ وبنى محلات تجارية وباعها للناس ولحسن
حظ النساء إن أكثر هذه المحلات بقيت مستودعات دون أن تفتح
أبوابها مما سنحت لهنّ الفرصة والعودة من جديد إلى
مكانهم المعتاد ويعرضوا بضاعتهم أمام
هذه المحلات دون أن يضايقوا أحد».
وعن رأيه بعمل هؤلاء النسوة أجاب: «في مدينتنا لا مجال لعمل
المرأة في الأسواق؛ فأنا متأكدٌ بأنه لولا الحاجة لما كنا نراهم
يأتون في الصباح الباكر وحتى آخر النهار ليكسبوا مالاً بعرق
جبينهم؛ فبينهم الأرملة والمطلقة وربما حتى
العذراء وكلهم يرفضون فكرة التسول ويعتبرونه إهانةً للمرأة».