الخطاط "وليد علوش"... مرسمي مشرّع للمواهب
بشير عاني
الأحد 12 نيسان 2009
كانت القصبة بين أصابعه مطواعة وسلسة وهو ينقّلها فوق الورق الأبيض الصقيل ليخط تلك الأحرف التي تخالها تنطق بما يعتمل داخله من أفكار وأحاسيس..بجانبه كان "معلمه" يراقب ما يفعله، ويوزع نظره واهتمامه على بقية الخطاطين الصغار الذين يتقاسمون بقية المكان..
الطفل "ابراهيم نوري" طالب الصف السادس، الذي لا يشك من يرى خطوطه بأنه سيكون ذا شأن فني، التقى به eDair-alzor في مسابقات الرواد وكان معه هذا الحديث:
«منذ سنتين وأنا أتدرب لدى الفنان "وليد علوش"، في السنة الأولى من تدريب، وكنت في الصف الخامس، حصلت على وسام الريادة في الخط العربي حيث حللت بالمركز الأول وكانت المسابقات في "حمص"، ولدي أمل بالحصول على الوسام في مسابقات هذا العام.
أحب الرسم أيضا وأتمنى أن أكون في المستقبل خطاطا ورساما ناجحا، أكثر الأشياء التي تزعجني في هذه الهواية هو دلقي الدائم للحبر في البيت وكذلك في مرسم أستاذي الفنان "وليد علوش"، وهذا ما يسبب لي حرجاً دائماً و(بهدلات) مستمرة».
في قاعة أخرى كان هناك أطفال أصغر سناً يخوضون مسابقات الخط العربي، وكانت الطفلة "شمايل المشعل" واحدة من هؤلاء الصغار الواعدين.
تقول "شمايل" لـ eDair-alzor:«أنا الآن أخوض مسابقات الخط العربي للصف الخامس، وهذه أول تجربة لي في هذا المجال، وقد حرمت العام الماضي من فرصة المشاركة بسبب ظروف قاهرة حلت بالعائلة، والدي يعملان خارج القطر، ويشرف الأستاذ "وليد علوش" على تدريبي، وكذلك خالتي "سهاد"، وهي مدرسة فنون، أتمنى هذا العام أن أحقق حلمي بالريادة وأحقق لي ولبلدي وسام الجمهورية».
ولأنه كان حاضراً في تخلّقات معظم المواهب الفتيّة وتصيّراتها الفنية، في مجال الخط العربي..ولأننا أينما يممّنا وجهنا وجدنا له بصمة في لوحات هذا الطفل أو ذاك..ولأنه أكثر من ارتبط بـ (الخطاطين الصغار) في المدارس الحكومية وفي مرسمه الخاص..كان علينا أن نقتحم خصوصيته ونفكك بعض أسراره..مع الفنان "وليد علوش" كان لـ eDair-alzor هذا الحوار:
«أنا أعمل في المدرسة التخصصية منذ تأسيسها، أي منذ ما يقارب الـ 28 سنة، وخلال كل هذه السنين الطويلة كان طلابي يحصدون المركز الأول على مستوى القطر، فجميع جوائز الخط العربي، وهو اختصاصي، كان من نصيب "ديرالزور"، ولم أفوت أي سنة بدون الجائزة الأولى، ويمكنكم العودة إلى
|
الرائد ابراهيم النوري |
أرشيف الطلائع وسجلات الرواد فهي شاهد على ذلك.
طريقتي في العمل متمحورة حول نقطة أساسية تتمثل بكيفية التعاطي مع الطالب، فمن الضروري النزول إلى مستواه النفسي والمعرفي والتعامل معه كصديق، وهذا ليس أسلوبي في المدرسة فقط، بل هو سياسة أمارسها في مرسمي الخاص أيضاً، لهذا تجد الأطفال يأخذون راحتهم معي سواء في التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم أو في التحرك والكلام، وربما تناول السندويش، مع ضرورة الحفاظ على النظام العام واللياقة الاجتماعية وعدم تأثير ذلك على الدروس والتدريبات.
من جهة أخرى فأنا لا أبخل على طلابي بأي شكل من أشكال المعرفة، إذ أسعى دائماً لتعليمهم كل ما تعلمته، كما أزودهم باستمرار بكل ما أملكه من نوطات وكتب خاصة بالخط، وكل ما يقع تحت يدي من معلومات ومعارف متعلقة بهذا المجال.
من ضمن خططي أيضاً تعزيز خبراتهم وثقتهم بأنفسهم وذلك عبر استضافة دورية للخطاطين المعروفين في المحافظة، حيث أتيح للطلاب اللقاء بهم ومحاورتهم، وهذا كانت له انعكاسات إيجابية على أدائهم والتزامهم بالتدريبات ونمو مواهبهم.
على مستوى الفرع مطلوب منا ثلاثة أنواع من الخط العربي، لا على التعيين، ولكني غير متقيد مع طلابي بهذا الاشتراط، فأنا حريص على تعليمهم كافة أنواع الخطوط.
طلابي الذين نالوا الأوسمة، بفوزهم بالمسابقات على مستوى القطر، كثيرون، منهم من أصبح مهندساً أو طبيباً أو مدرساً وغيرها من المهن التي أبعدته عن ممارسة الخط العربي، كـ "أكرم جار الله" و"ناديا عبود الصالح" و"رياض علوش" وغيرهم، ومنهم من استمر وأصبح اليوم فناناً معروفاً يمارس الخط العربي كمهنة وهواية أذكر منهم "أحمد ضللي" و "زياد الوردي" و "غسان العكل" و "محمد الماجد" و "أحمد عيسى" وغيرهم، وهؤلاء يعملون اليوم جميعاً في مجال الفن.
وعدا عن هذا وذاك ثمة معلومة مفيدة، قد تكون طريفة، فهناك عائلات كاملة أشرفت على تدريب أبنائها ونالت جميعها أوسمة وجوائز مثل عائلة "علي الثلاج" التي نالت ثمانية أوسمة، وهو أكبر عدد من الأوسمة تناله
|
الرائدة شمايل المشعل |
عائلة ديرية، ولا أدري إن كانت هناك عائلة في سورية قد حققت هذا الإنجاز، وعائلة "وافي الحاج خضر" وقد نالت ستة أوسمة، وعائلة "عبود الصالح" التي نالت أربعة أوسمة.
لدي أرشيف خاص بكل طالب يتدرب لدي في المرسم أو في المدرسة يحتوي على صور له في طفولته ورسوماته الأولى وتمارينه على الخط إضافة إلى ملاحظاتي الخاصة، وهذا الأرشيف أقوم بإهدائه لاحقا عندما يكبر كل واحد منهم، في المناسبات الخاصة كالزواج أو التخرج من الجامعة، فمنذ وقت قصير فاجأت إحدى طالباتي وهي "سوسن عبود الصالح" بزيارتها لأبارك لها تخرجها من كلية الطب، وكانت هديتي لها ذلك الأرشيف الخاص بها الذي ما أن شاهدته حتى قفزت من الفرح كطفلة صغيرة، وكانت فرحتها بهذا الأرشيف لا توصف، وقالت لي وهي تقلبه: هذه هي هديتي الأغلى.
ثمة معلومة أخرى، فالمدرسة التخصصية تقبل الطلاب بدءاً من الصف الرابع وما بعد ذلك، إلا أنني كنت الاستثناء الوحيد في هذا حيث سمح لي بقبول طلاب دون هذا السن وذلك لقناعة الإدارات المتعاقبة بمدى جهودي وجديتي وحبي للمواهب.
وأحب الإشارة إلى المدرسة التخصصية تقدم للطلاب جميع المستلزمات الضرورية التي يحتاجها المتدربون كالورق والحبر والقصبة والإشراف الفني، وهذا ما أفعله أنا أيضاً في مرسمي إذ أقدم للمواهب التي تتدرب في المرسم جميع هذه المستلزمات مجانا.
وعن طريقة اكتشافه للمواهب يقول الفنان "وليد علوش": «هذه ليست مهمة صعبة، فالطفل الموهوب يلفت النظر إليه بسرعة، فمثلا كان هناك طفل يرافق أخاه الذي يتدرب في مرسمي، وقد لفت نظري خطه الجميل فطلبت من والده أن يرسله مع أخيه للتدرب، ووعدته بثلاثة أوسمة ومنحة سفر خارجية، وفعلا حصل التلميذ على وسام الجمهورية في السنوات الثلاث لمسابقات الصف الرابع والخامس والسادس ثم كوفئ بمنحة سفر إلى مصر، وفي أرشيفه الخاص به، الذي احتفظ به، صور له وهو جالس بجانب "أبو الهول"، أما هذا الطالب "ابراهيم النوري"، الذي التقيت به منذ
|
وتدريبات |
قليل، فهو موهبة وقد اكتشفتها صدفة، وبنفس الطريقة السابقة، إذ كان برفقة أخيه الذي يتدرب عندي هو الآخر، وقد حصل "ابراهيم" على وسام الجمهورية في السنة الماضية وأتوقع له أن يحصل على الوسام هذا العام أيضا، كما أتوقع له أن يكون ذا شان فني إذا ما ثابر واجتهد في هذا المجال.
لا بد من التنويه أن دورنا كمدرسة تخصصية ينتهي عند الصف السادس ولكن أكثر الطلاب يستمرون في المرسم ويتابعون تدريباتهم فيه، مجانا».
بقي القول أن الفنان "وليد علوش" أحد كنبة القرآن، قام بكتابته مرتين، أهدى نسخة إلى رئاسة الجمهورية واحتفظ بالأخرى، كما أنه وفي وشاكر لأساتذته الفنانين الذين تدرب على أيديهم، ويخص "محمد القاضي" و"حسان الخاطر" و"عقيل العرفي" و"جلال الوهاب".