"صبحي البرغش" فنانٌ من الذاكرة
فريد موسى
الأربعاء 23 أيلول 2009
بمجرد اللقاء الأول يستطيع المرء الدخول في أعماقه وأن يكتشف إحساسه المرهف، لم يحالفه الحظ في سطوع نجمه كفنان؛ فبقي يمنّ النفس بالآمال المرسومة في الأفق البعيد إلى أن أدركته الشيخوخة؛ لكن مع ذلك لا يزال متفائلاً وموقناً بأنه سيبلغ مرادهُ في وضع بصمةٍ في عالم الموسيقى. "صبحي البرغش" هو كغيرهِ من المواهب الفنية التي نشأت في مدينة "البوكمال" وسط بيئةٍ لا تساعد على نمو مثل هذه المواهب، فكان لمراسل esyria الحق في الوقوف عند مسيرة حياة هذا الفنان المبدع في سطورٍ قد لا تعطيه حقه وذلك أثناء الالتقاء به في منزله البسيط، حيث تحدث الأستاذ "صبحي" قائلاً: «موهبة الغناء والعزف على آلة موسيقية هي أمورٌ تولد مع الإنسان وليست أشياءً مكتسبة كما يظن البعض، فمنذُ صغري كنت أدندنُ بعض الأغاني البسيطة لمطربين كبار أمثال "فهد بلان" و "عبد الحليم حافظ" وعندما أصبحتُ في الصف الثاني الثانوي وذلك عام/1973/م استمع مدير الثانوية إلى غنائي وأعجبه أدائي كثيراً وهذا المدير كان أسمه "إبراهيم قهوجي" والد الممثل "فراس إبراهيم" فكان يصطحبني في كل مرة إلى منزله لنتدرب سوياً على العزف والغناء حيث كان عازفاً متمكناً لآلة "العود" وقد قمنا بإحياء حفلة في المركز الثقافي في "البوكمال" أمام جمهورٍ ضخم وقد نلتُ إعجاب الحضور فكانت هذه المرة الأولى التي أظهر فيها على المسرح وأمام جمهورٍ كبير».
|
ثم تابع حديثهُ، قائلاً: «في العام نفسهُ سافرتُ إلى "دمشق" للمشاركة في برنامج "ركن الهواة" ويبث في الإذاعة وقتها كان الأستاذ "عبد الفتاح سكر" هو مدير الإذاعة ورئيس لجنة التحكيم أيضاً؛ فعندما سمع غنائي جاء إليّ والفرح يملئ وجهه وقال لي عبارةً لن أنساها بحياتي: (وين كنت؛ ومنين الله جابك) وطلب مني أن أسجل له أغنية بصوتي وأقدمها له بعد أسبوع، لكن بعد عودتي إلى "البوكمال" لم استطع السفر مرةً أخرى إلى "دمشق" لأسبابٍ مادية. وبعد فترةٍ من الزمن علمتُ من بعض الأصدقاء بأن الأستاذ "عبد الفتاح" كان على خلافٍ مع الفنان "فهد بلان" ولم يعد يتعاون معه في تقديم الألحان له فكان يريد أن يقدمني للجمهور كموهبة فنية جديدة من اكتشافه لكن سوء الحظ جعلت هذه الفرصة تتبخر وتضيع عليّ فرصة ظهوري كفنان جديد على الساحة الفنية».
|
من إحدى الحفلات المدرسية منذ الثمانينيات |
وتابع قائلاً: « وفي عام/1978/م ضاعت مني فرصةٌ أخرى لإثبات موهبتي وذلك عندما سافرتُ إلى "دمشق" لتفييز جواز سفري من أجل السفر إلى "المملكة العربية السعودية" للعمل؛ فأثناء وجودي في "دمشق" سمعت من أحد الأشخاص بأن هناك برنامج لهواة الغناء فاستغليت فرصة وجودي هناك وتقدمت إلى اللجنة وبالفعل حققت النجاح في المرتبة الأولى فطلبوا مني البقاء لإجراء بعض الإجراءات لتقديمي كمطرب للإذاعة؛ لكني لم استطع البقاء لارتباطي بالسفر فهذه كانت الفرصة الثانية التي ضاعت عليّ. فكنت أهدف من وراء سفري إلى جمع بعض المال لدراسة الموسيقى في "القاهرة" وبعد عودتي من "السعودية" تقدمت إلى الشهادة الثانوية من جديد وحصلتُ عليها وتقدمت إلى المعهد العالي للموسيقا لكن لسوء الحظ لم أُقبل بسبب مواليدي فاضطررت لدخول معهد الرسم ومع ذلك بقي جلّ اهتمامي مرتبطا بالموسيقا وتعلمتُ أصول العزف على العود
|
"صبحي البرغش" مع ضابط الإيقاع في حفلةٍ شعبية |
بفضل مساعدة زملائي الذين كانوا يدرسون في معهد الموسيقا».
وأضاف: «بعد التخرج عدتُ إلى "البوكمال" وأصبحت اهتماماتي ضمن نطاق المدينة فأسستُ مع مجموعة من العازفين والمغنين فرقة موسيقية تابعة للشبيبة فكان نشاطنا ملحوظاً في إحياء الحفلات المدرسية والوطنية والحفلات الخاصة ومن أبرز أعضاء الفرقة المطرب "أحمد كمال" ومطرب الإذاعة "سالم رمضان" خلال هذه الفترة من العمل المتواصل في المجال الفني تعرضتُ لوعكةٍ صحية وعلى أثرها توقفتُ عن النشاط الفني أكثر من خمس سنوات؛ بعدها تفككت الفرقة وابتعد كل أعضاءها، بعدها فكرت في المضي باتجاه التلحين وبالفعل لحنتُ بعضاً من الأشعار التي دونتها ولا زلتُ احتفظ بها وأحاول إدخال بعض التعديلات عليها، أما الآن فأنا في الستين من عمري ولا أزال احتفظ بمرونة في حنجرتي كذلك مرونة في العزف ولم أيأس لهذه اللحظة في تقديم نتاجي الفني للناس بالرغم
|
"صبحي البرغش" مع أعضاء الفرقة الموسيقية |
من رفض المجتمع المحلي لمثل هذه المواهب إلا أنني على يقين بأنه سيأتي جيلٌ ويدرك أهمية هذا الفن الراقي الذي بدأنا به في ظروفٍ غاية في الصعوبة، فأنا برأيّ الشخصي حققتُ بعضاً من طموحاتي قياساً مع ظروفي آنذاك؛ فالموهبة هي التي تصنع الفنان وليست المادة».